التصعيد الإسرائيلي ضد إيران بلا أفق حقيقي؛ فالمواجهة ستعني خسارة صافية للدول العربية والغرب، وربحًا صافيًا لروسيا والصين.
قد تغرق أمريكا بمستنقع الشرق الأوسط إلى مستوى يمنعها من التحرك بالساحة الدولية بالفاعلية التي كانت عليها قبل المواجهة مع إيران.
إيران ليست حقل نفط، بل قوة عسكرية وأيديولوجية صارمة، فهل تتحول إيران إلى فخ لأمريكا كما تحولت أوكرانيا إلى فخ لروسيا؟ الاجابة عند بايدن ومستشاريه.
تعاظم إحباط إسرائيل بعد أزمة أوكرانيا وتفاقم الحاجة أوروبا وأمريكا للنفط الإيراني، بل الفنزويلي، ويتطلب ذلك خفض التصعيد والتوتر بالخليج والبحر الأحمر.
لم تتوقف التحركات الإسرائيلية بأمريكا وأوروبا لإقناع أمريكا وأوروبا بإبقاء العقوبات المفروضة على إيران، والامتناع عن رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب.
استهداف إيران بضربة جوية تستأصل قدراتها النووية يبدو هدفًا إسرائيليًا بعيد المنال فالمخاطرة كبيرة تتحفظ عليها دول الاتحاد الأوروبي وقطاعات مهمة داخل أمريكا.
التصعيد الإسرائيلي له سقف وحدود تبدأ من نقطة تحقق مكاسب للصين وروسيا؛ فالصراع بالبحر الأحمر والخليج سيعيق إمدادات النفط لكن لن يوقف إمدادات النفط والغاز الروسي الرخيص والآمن للهند والصين.
* * *
لم يتوقف الكيان الصهيوني للحظة عن استهداف إيران سواء عبر النشاط الاستخباري أو الأمني والعسكري. تجلى بغارات جوية وعمليات سيبرانية وأخرى للقوات الخاصة داخل الأراضي السورية امتدت إلى الحدود العراقية وما وراءها، فبلغت طهران وعلماءها وقادتها العسكريين ومنشآتها النووية.
لم تنجح الجهود الإسرائيلية في كبح جماح الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عن الانفتاح على إيران في ظل الأزمة الأوكرانية، وفي ظل الانفتاح الواسع لإدارة بايدن على طهران لإحياء الاتفاق النووي؛ انفتاح اقترن بإجراءات تشجيعية عبر تفاهمات افضت للافراج عن مواطنين بريطانيين وأمريكان معتقلين في ايران.
ففي العام 2021 أفرجت طهران عن أربعة مواطنين أمريكيين مقابل إفراج واشنطن عن 7 مليارات دولار من حقوق إيران المجمدة.
وفي آذار/ مارس من العام الحالي، وعقب اندلاع الحرب الأوكرانية، أفرجت طهران عن مواطنين بريطانيين (الصحفية نازنين زاغري راتكليف، والمهندس المتقاعد آنوشه أشورىفي) مقابل إفراج لندن عن 390 مليون جنيه استرليني من أموال إيران المجمدة منذ عام 1979.
حالة الهلع والهوس الإسرائيلية تجاه إيران اشتدت بعد تواتر المؤشرات عن اقتراب التوقيع على اتفاق نووي في فيينا، وازداد شراسة بعد إعلان الولايات المتحدة نيتها رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية.
حالة الإحباط الإسرائيلية تعاظمت بعد الأزمة الأوكرانية، وتنامي الحاجة الأوروبية والأمريكية للنفط الإيراني، بل الفنزويلي، وما يتطلبه ذلك من خفض للتصعيد والتوتر في الخليج العربي والبحر الأحمر؛ لضمان تدفق إمدادات النفط والغاز كمقدمة لتشديد العقوبات على روسيا، أسهمت في تسارع الخطوات لتمرير الاتفاق النووي.
رغم التطمينات الأمريكية والمغريات التي قدمتها لقادة الكيان الصهيوني، فإن النشاط الاستخباري والعسكري الإسرائيلي بالمنطقة، والنشاط والتحركات الدبلوماسية والسياسية الإسرائيلية في أمريكا وأوروبا لم تتوقف لإقناع أمريكا وأوروبا بضرورة الإبقاء على العقوبات المفروضة على طهران، والامتناع عن رفع الحرس الثوري من قائمة العقوبات.
الكيان الصهيوني للتغلب على المعيقات طرح آليات لتحقيق الأهداف المشتركة لأوروبا وأمريكا وشركائهما في المنطقة بضمان تدفق إمدادات النفط، والحد من التهديدات الأمنية؛ فإسرائيل نشطت للترويج لمنظومة دفاعها الجوي، ولتحالف إقليمي لمواجهة المسيرات والصواريخ عبر منظومة إنذار مبكر، إلا أن العائق الوحيد المتبقى -بحسب التقرير الذي أعده بن كاسبيت لموقع “المونيتور”- تمثل بالعلاقة المتوترة بين إدارة الرئيس بايدن والسعودية؛ توترٌ يأمل قادة الكيان بتلاشيه خلال زيارة الرئيس بايدن للسعودية والكيان الصهيوني في يوليو القادم.
ورغم نجاح الكيان في كبح جماح أوروبا والولايات المتحدة في الاندفاع نحو الاتفاق النووي، فإن الاندفاع لما هو أبعد من ذلك باستهداف إيران بضربة جوية تقضي على قدراتها النووية يبدو هدفًا إسرائيليًا بعيد المنال؛ فالمخاطرة كبيرة تتحفظ عليها دول الاتحاد الأوروبي وقطاعات مهمة داخل أمريكا، والعملية العسكرية سيتخطى أثرها الإقليم نحو الباسفيك وشرق أوروبا.
ذلك أن الضربة العسكرية لإيران من الممكن ان تفضي الى وقف تدفق إمدادات النفط والغاز؛ ما يعني دمارًا اقتصاديًا شاملًا في القارة الأوروبية، وفي الولايات المتحدة التي تعاني من تضخم مرتفع يتوقع ان يبلغ نهاية الشهر الحالي 9%، ومنظومة الدفاع الصاروخي والإنذار المبكر وإن كانت ستعيق وصول المسيرات والصواريخ الى الكيان من إيران، فإنها لن توقف التضخم، وانهيار الاقتصاد الأمريكي والأوروبي.
كما أن منظومة الإنذار المبكر لن توقف الهجمات الإيرانية في الخليج العربي، أو تعيق قدرتها على إغلاق مضيق باب المندب ومضيق هرمز.
أمريكا تدرك خطورة التورط في حرب إقليمية في البحر الأحمر والخليج العربي؛ فهي لم تخرج من أفغانستان لتغرق في مستنقع اكبر وأعمق يمتد من بحر العرب والخليج إلى البحر الأحمر وشرق المتوسط، وحفرة الانهدام والبحر الميت.
التصعيد الإسرائيلي له سقوف وحدود، تبدأ من النقطة التي تتحقق فيها مكاسب لكل من الصين وروسيا من هذا الصراع؛ فالصراع في البحر الأحمر والخليج العربي سيعيق إمدادات النفط من الخليج العربي، إلا انه لن يوقف تدفق إمدادات الطاقة الروسية إلى الهند والصين اللتين باتتا اكثر اعتمادًا على النفط والغاز الروسي الرخيص والآمن.
فالصين زادت وارداتها من النفط رغم الإغلاقات المتكررة لبكين وشنغهاي 12%، والهند 4%، وكلاهما رفع حصة النفط الروسي إلى أكثر من 16%؛ ما يعني أن الضرر سيلحق باقتصادات الدول العربية الخليجية وأوروبا وأمريكا فقط.
الكلف سترتفع بمجرد دخول الطائرات الحربية الإسرائيلية الأجواء الإيرانية، وسيدفع العرب وأوروبا وأمريكا ثمن المغامرة الإسرائيلية، وستكون الصين وروسيا والهند ودول “بريكس” أكبر المستفيدين، ولن يتوقف تدفق النفط الإيراني وحده بل سيتوقف معه النفط الغاز العربي أيضًا.
ختامًا..
التصعيد الإسرائيلي مع إيران بلا أفق حقيقي؛ فالمواجهة ستعني خسارة صافية للدول العربية والغرب، وربحًا صافيًا لروسيا والصين؛ حيث ستغرق أمريكا بمستنقع الشرق الأوسط إلى مستوى يمنعها من التحرك في الساحة الدولية بالفاعلية التي كانت عليها قبل المواجهة مع إيران؛ فإيران ليست مجرد بئر نفط، بل قوة عسكرية وأيديولوجية صارمة، فهل تتحول إيران إلى فخ لأمريكا كما تحولت أوكرانيا إلى فخ لروسيا؟ سؤال الاجابة عنه لدى بايدن ومن حوله من مستشارين.
المصدر: السبيل – عمان
موضوعات تهمك: