بقلم: عبد الرحمن الراشد
غالبية الأتراك مع الثورة السورية، وهم، مثل كثير من شعوب المنطقة، تؤلمهم الصور المروعة لما يفعله النظام السوري في المواطنين هناك منذ عام. وتعرف حكومة رجب طيب أردوغان أنها تقف في موقف سليم ضد نظام بشار الأسد ينسجم مع رأي الشارع التركي، لكن توجد جيوب لا تقف نفس الموقف، وعادة لها أسبابها الأخرى. هناك من هو محسوب على التيار الإيراني، وبعضهم مغرق في يساريته المعادية لكل موقف يتخذه الغرب دون تمييز، وبعضهم بكل بساطة يتبنى مواقف معارضة لحكومته فقط لاعتبارات داخلية.
ولأن تركيا دولة مهمة، فهي تكاد تكون الوحيدة القادرة على التدخل لإنقاذ الشعب السوري، فإنه يهمنا أن نتعرف على طبيعة الحوار الذي يدور داخلها حيال سوريا. وكما قلت، فإن أكثرية المثقفين والعامة هم ضد النظام السوري، لكن ليسوا جميعا كذلك.
جان أطاكلي كاتب في «وطن»، وهي صحيفة مملوكة للحزب التركي الحاكم، العدالة والتنمية. كتب أطاكلي محذرا حكومة أردوغان من التدخل العسكري في سوريا. وقد تفاجأ بحجم المغالطات التي تضمنها مقاله دفاعا عن نظام الأسد وجرائمه، إنما يظل صوتا من بين الأصوات القليلة التي تدافع عن بشار، وتنتقد أردوغان. وجدت من المناسب عرض وجهة نظره لفهم طبيعة الحوار. فهو بداية يدعي أن محاكمة الانقلابيين العسكريين في تركيا لها هدف في سوريا، ويقول: «أجزم بأن الهدف الأوحد منها هو إخراج الأزمة السورية من دائرة اهتمامات الرأي العام التركي».
ويقول: «يزعمون أن في سوريا ربيعا عربيا لكن ما حقيقة ما يحصل هناك؟ المؤكد أن الأسد ديكتاتور. لو لم يكن ديكتاتورا هل كان ليبقى في السلطة ما يزيد على أربعين عاما هو ووالده؟ لكن هل تأكد بالدليل أنه مجرم قتل شعبه بوحشية؟ تأكدنا مرارا أن أخبار الإعلام كاذبة، والأفلام التي يبثونها مفبركة ومزورة. إذن هدفهم الأساسي هو الإطاحة بالأسد، ولتحقيقه يستخدمون كل أنواع الغش والخداع».
ثم يثير الكاتب المخاوف من دخول تركيا في الحرب في سوريا. أما أسباب اعتراضه على التدخل العسكري، فإنه يقول لأنه «سيشعرنا بارتداده الشديد في جنوب شرقي تركيا، وسيمنح النشاط الإرهابي لحزب العمال الكردستاني الشرعية. إيران سترد (علينا) بحشود عسكرية على طول حدودنا، كذلك ستحشد روسيا الجيوش على حدودنا؛ حسنا، هل نحن نمتلك القوة للرد على كل تلك الحشود؟ لا أدري إن كنا متنبّهين أم لا؛ فالتدخل العسكري التركي في سوريا سيشعل فتيل حرب عالمية ثالثة بشكل مصغّر. ستكون تركيا الجبهة المركزية في هذه الحرب، وأنا لا أريد تصور الأضرار والخسائر التي ستتكبدها تركيا»، ويغرق الكاتب التركي في تحليلاته التخيلية، فيدعي أن الهدف الحقيقي من استهداف نظام الأسد هو رغبة الغرب في ضرب إيران.
ويقول أطاكلي: «أستغرب تحول أردوغان إلى صقر تجاه سوريا الصديقة، لكن أشعر بالفضول الشديد لمعرفة كيف ستكون سياسة أردوغان تجاه إيران عندما تتحول بوصلة الاستهداف الغربي نحوها».
ويقول إنه «سيطلب من تركيا أن تلعب الدور ذاته في التدخل العسكري في إيران بعد سوريا، يمكن تقديم الأسد للشعب التركي على أنه (ديكتاتور ويداه ملطختان بالدماء) للحصول على التأييد الشعبي للتدخل العسكري. حسنا ماذا ستكون الذريعة التركية للاعتداء المسلح على إيران؟». ويبحر الكاتب المعارض بعيدا في تفسيره لموقف حكومة أردوغان، حيث يقول: «ما فهمته أن أردوغان وأركان حكومته، وعلى رأسهم أحمد داود أوغلو، يبدون متأثرين بنظرية أنه (لا يمكننا أن نقود المنطقة ما لم نخاطر). أردوغان يفكر في قيادة الشرق الأوسط اعتمادا على شعبيته ونجوميته عند العرب. لكن كل لعبة تلعبها في الشرق الأوسط هي خطيرة، فالشعوب التي تبدو إلى جانبك اليوم، قد تتحول إلى بخار في لحظة، ولسبب بسيط جدا، وفي التاريخ أمثلة كثيرة على ذلك».
ويرد الكاتب على تزايد الشعور عند الشعب التركي المؤيد للتدخل ضد قمع نظام الأسد، فيقول: «إلى دعاة الحرب الذين يتهمون كل من يقف في مواجهة دعايتهم بخيانة الوطن. الحرب ليست كما تتصورون فيلما تشاهدونه وأنتم تأكلون الـ(بوب كورن)».
هذه أبرز مبررات الكاتب التركي المعارض للتدخل العسكري، بناء على اعتقاده بأن ما يراه من قمع وقتل مجرد أفلام مفبركة، ويتهم أن هناك مؤامرة غربية هدفها ضرب نظام الأسد لمحاصرة إيران. وهو تقريبا يردد ما يقوله الإعلام السوري الرسمي والإيراني الذي يركز على الدعاوى القديمة بأن هناك مؤامرة غربية، وما نراه مجرد مسرحية لتبرير التدخل. لحسن الحظ أن الذين مثل الكاتب أطاكلي قلة؛ سواء في تركيا أو الدول العربية. هذه المرة لم يعد ممكنا خداع أغلبية الناس مهما لعب المعارضون على أوتار التاريخ ونظريات المؤامرة.