إذا كانت لدى بايدن طاقة للتعامل مع موضوع الديمقراطية فليستعملها في إصلاح مثالب وخطايا الديمقراطية الأمريكية وما أكثرها.
هل تسمح الديمقراطية لرئيس جاهل معتوه كدونالد ترامب أن يقرر إعطاء الجولان السوري للكيان الصهيوني، وكأن الجولان ملكاً خاصاً من أملاكه؟
مؤتمر دولي عن الديمقراطية بأمريكا تستدعي طرح أسئلة على من سيقفون في ذلك الاجتماع كأساتذة ومبشرين لإلقاء المحاضرات عن ديمقراطيتهم.
هل سيتحدث بايدن عما فعلته أمريكا بالعالم بتبني الرأسمالية النيوليبرالية وإبعاد الرأسمالية الكينزية الكلاسيكية فكدست الثروة بيد قلة وفاقمت الفقر المدقع عبر العالم؟
عن أي ديمقراطية سيتحدث الرئيس الأمريكي؟ عن أوضاع وحقوق الملونين الذين لم يتأمن لهم حق التصويت بالجنوب وممارسة حقوقهم المدنية إلا أواخر ستينيات القرن الماضي بعد كفاح مرير؟
* * *
بقلم: علي محمد فخرو
دعوة الرئيس الأمريكي إلى مؤتمر دولي عن الديمقراطية، تستدعي طرح أسئلة على من سيقفون في ذلك الاجتماع كأساتذة ومبشرين لإلقاء المحاضرات عن ديمقراطيتهم. أما دول الجنوب الأمريكي وآسيا وافريقيا، وبالطبع دول أرض العرب، فلن نزعجهم بالأسئلة، إذ لن يكونوا أكثر من مستمعين متثائبين.
فعن أي ديمقراطية سيتحدث الرئيس الأمريكي؟ عن أوضاع وحقوق السود والملونين الأمريكيين، الذين لم يتأمن لهم حق التصويت الحر غير المزيف في ولايات الجنوب الأمريكي، ومن ممارسة حقوقهم المدنية إلا في منتصف الستينيات من القرن الماضي، بعد كفاح مرير وتضحيات جسام؟
أي بعد أكثر من مئتي سنة على صدور الدستور الأمريكي؟ أم عن استمرار التعامل الخشن المتوحش من قبل الشرطة الأمريكية مع الملونين، التي يستطيع الإنسان ذكر العشرات من أشكاله وضحاياه خلال السنتين الماضيتين فقط؟
هل سيتحدث الرئيس الأمريكي عن نظام المنح المالية الهائلة للذين يخوضون الانتخابات، من أجل شراء ضمائرهم، على أن يرد هؤلاء الجميل بالوقوف مستقبلاً مع مصالح الأغنياء المتبرعين؟
أم عن تصريح الرئيس الأمريكي أيزنهاور الشهير بأن الذين يحكمون أمريكاهم هم الدولة العميقة التابعة للأغنياء والعسكر والمخابرات؟ أم عن الحقيقة المعروفة بأن الغالبية الساحقة من مؤسسات الإعلام الأمريكية، التي لها تأثير هائل في الرأي العام، وبالتالي المسيرة الديمقراطية، تملكها أقلية تبيعها وتبيع من يشتغل فيها لمن يدفع؟
هل سيتحدث الرئيس الأمريكي عما فعلته أمريكا بالعالم عندما حملت لواء الرأسمالية النيوليبرالية، وأبعدت الرأسمالية الديمقراطية الكينزية الكلاسيكية، فقادت إلى تكدس الثروة في يد قلة، وإلى ازدياد في نسبة الفقر المدقع عبر العالم كله؟
هل سيحدثنا الرئيس عن ديمقراطية لا تستطيع أن تتحقق من صدق أكذوبة نشرها الرئيس بوش الابن، مع مجموعة صغيرة من أشكاله من مجانين السلطة بشأن العراق، وذلك من أجل الاستيلاء على ثرواته وتدميره لصالح الكيان الصهيوني، وتدخل العرب بعد ذلك في الجحيم الذي يعيشون؟
هل سيحدثنا الرئيس عن الانحياز الأعمى من قبل الديمقراطية الأمريكية لكيان صهيوني يمارس سرقة أرض الآخرين والقتل الممنهج للشعب الفلسطيني، وتفجير البيوت على ساكنيها، وحصار مليونين من شعب فلسطين في غزة؟
وتسمح تلك الديمقراطية لرئيس جاهل معتوه كدونالد ترامب أن يقرر إعطاء الجولان السوري لذلك الكيان، وكأن الجولان ملكاً خاصاً من أملاكه؟
ولن نذكر خطايا ديمقراطية سمحت بإلقاء قنابل نووية على اليابان، وبإلقاء قنابل نابالم لحرق غابات فيتنام، وللسماح للاستخبارات الأمريكية بتدمير أي ديمقراطية بأمريكا الجنوبية لا تنصاع للهيمنة والاستغلال الأمريكي كما فعلت في جمهورية تشيلي سابقاً، وتعمل مع فنزويلا حالياً.
ما علينا إلا أن نحيل الرئيس الأمريكي إلى كتاب: «كيف تموت الديمقراطيات» الذي كتبه الأستاذ بجامعة هارفرد ستيفن لفتسكي وزميله دانيال زبرلات ويقرأ في صفحة 206 هذه الجملة: «ما عادت أمريكا مثالاً يحتذى في الديمقراطية».
إنه حكم قاس وغير مشرف. وعليه، فإذا كانت لدى الرئيس الأمريكي طاقة للتعامل مع موضوع الديمقراطية فليستعملها في إصلاح مثالب وخطابات الديمقراطية الأمريكية، وما أكثرها. بعد ذلك ليأت ويلقي المحاضرات ويفاخر بدروس لا تطبق في بلاده.
وأخيراً لا يحتاج الإنسان إلى الحديث المطول عن الديمقراطية الأوروبية، التي لم توقف أوروبا عن استعمار ونهب نصف العالم، وتخون شعاري الأخوة والمساواة الإنسانية اللذين طرحهما عصر الأنوار، ولم توقف في الماضي صعود وجرائم الفاشستية والنازية، ولا توقف الآن صعود الشعبوية اليمينية العرقية المتطرفة في كثير من بلدانها.
وبالتالي فهي أيضاً آخر من يعطي الدروس والمواعظ. وبالتالي لنسأل الذين سيحضرون كمستمعين: متى ستتوقفون عن الاستجابة كخراف لكل صفارة تناديكم من أمريكا أو أوروبا؟ أيتها الديمقراطية كم من جرائم ترتكب باسمك.
* د. علي محمد فخرو سياسي ومفكر بحريني
المصدر| الشروق – القاهرة
موضوعات تهمك: