تتفاقم أزمة إمدادات الغاز الطبيعي نتيجة عوامل موضوعية وأخرى مفتعلة لأسباب جيوسياسية واقتصادية تداخلت فيها عوامل عديدة.
نقص خطير في إمدادات الغاز لدول أوروبا ضاعف الأسعار ومعدلات التضخم وبلغت نِسباً غير مسبوقة يتوقع أن تصل 7.3% بالمملكة المتحدة.
هناك أيضاً أزمةً افتعلت بضغط أزمة أوكرانيا حيث سعت واشنطن لعدم تشغيل الخط الروسي الألماني الجديد مقابل التعهد بتوفير إمدادات بديلة عن الغاز الروسي.
الولايات المتحدة أمام مأزق حقيقي إذ تحاول تقليل اعتماد حلفائها الأوروبيين على الغاز الروسي مما يتعارض مع المصالح الأوروبية بسبب رخص الغاز الروسي نسبيا.
* * *
بقلم: محمد العسومي
تتفاقم أزمة إمدادات الطاقة بشكل عام، والغاز الطبيعي على وجه الخصوص، وذلك نتيجةً لعوامل موضوعية وأخرى مفتعلة لأسباب جيوسياسية واقتصادية تداخلت فيها عوامل عديدة، حيث اختلطت الأمورُ والقضايا وعمليات الشد والجذب إلى درجة خطيرة تنذر بالحرب المسلحة.
ولنكتفِ هنا بأزمة الغاز التي طغت على غيرها من إمدادات الطاقة في الآونة الأخيرة، وذلك، كأحد تداعيات أزمة أوكرانيا والتي يمر عبرها أنبوب الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية منذ العهد السوفييتي، وكذلك عدم تشغيل الأنبوب الآخر القادم من روسيا إلى ألمانيا مباشرةً عبر بحر البلطيق، والمسمى «نورد ستريم2».
حيث أدى ذلك إلى نقص خطير في إمدادات الغاز لدول أوروبا وضاعف من الأسعار ومن معدلات التضخم وبلوغها نِسباً غير مسبوقة يتوقع أن تصل 7.3% بالمملكة المتحدة.
كما يهدد نقص إمدادات الغاز بوقف صناعات حيوية، وبالأخص في ألمانيا الاتحادية.الأسباب الموضوعية تتعلق بالانتعاش المفاجئ والسريع للاقتصاد العالمي والذي أدى إلى ارتفاع الطلب على مصادر الطاقة، وتجاوز سعر برميل النفط 90 دولاراً.
إلا أن هناك أيضاً أزمةً افتعلت تحت ضغط الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث سعت واشنطن باتجاه عدم تشغيل الخط الروسي الألماني الجديد، مقابل التعهد بتوفير إمدادات بديلة عن الغاز الروسي.
في البداية زادت الولايات المتحدة من صادراتها من الغاز لأوروبا، لكن ذلك لم يساعد كثيراً في حل الأزمة، مما حدا بها إلى اللجوء إلى بعض البلدان الرئيسية المصدرة للغاز، وبالأخص قطر، إضافة إلى الاستنجاد بدول أخرى مثل ليبيا ومصر والجزائر، بل وحتى الصين، حيث فشلت كل هذه المحاولات.
فعلى خلاف النفط، حيث تمتلك دولتان فقط طاقة إنتاجية فائضة، هما السعودية والإمارات، فإنه في حالة الغاز لا توجد طاقة فائضة لدى أي دولة، بما فيها قطر التي تسوِّق صادراتِها ضمن عقود طويلة الأجل وليس في الأسواق الفورية.
مما يعني أن كامل الغاز القطري تم بيعه للسنوات القادمة وأن أي إخلال بهذه العقود، بما فيها التأخر في الإمدادات ستترتب عليه تعويضات كبيرة تحاول قطر تفاديها، وهو ما أكد عليه وزير الطاقة القطري عندما قال مؤخراً:
«لا يمكن لقطر تلبية احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز»، مضيفاً: «إننا لم نتحدث إلى عملائنا الآسيويين بشأن فكرة تحويل الغاز إلى أوروبا»، مما يعد رداً على الطلب الأميركي الذي قُدم للأمير أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن، علماً بأن قطر توفر الآن 5% فقط من إمدادات الغاز الأوروبية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الغاز القطري يصدَّر بالناقلات، كغاز مسال، علماً بأن معظم الواردات الأوروبية تأتي بالأنابيب، إذ لا تملك دول أوروبا بنيةً تحتيةً كبيرةً لاستيراد الغاز المسال بسبب أن هناك عدداً محدوداً من محطات تغويز الغاز المسال في أوروبا.
مجمل هذه التعقيدات تسجَّل لصالح الموقف الروسي الذي لم يهدد بقطع الغاز، رغم اشتداد الأزمة الروسية الأوكرانية، بل على العكس من ذلك يسعى إلى تشغيل الخط الجديد والذي يمكن أن يساعد في تلبية كامل الطلب على الغاز في أوروبا ويؤدي إلى تخفيض الأسعار التي يكتوي بنيرانها المستهلكون الأوروبيون، وهو حل تعارضه واشنطن بقوة.
بالنتيجة، فإن ذلك يشير بوضوح إلى أن الولايات المتحدة أمام مأزق حقيقي، فهي من جهة تحاول تخفيف اعتماد حلفائها الأوروبيين على الغاز الروسي، وهو ما يتعارض مع المصالح الأوروبية بسبب الرخص النسبي للغاز الروسي الواصل عن طريق الأنابيب والذي يمنحه ميزةً تفضيليةً، والذي لا يتوفر بديل له، وهو ما أدى إلى تفاوت المواقف في هذا الشأن بين واشنطن وبرلين.
ومن جهة أخرى لا تجد واشنطن تجاوباً من الدول الأخرى المنتجة للغاز بعد أن طرقت أبواب هذه الدول دون أن تجد أي استجابة، وذلك لسبب بسيط، وهو أنه لا يوجد أحد خلف هذه الأبواب المغلقة بسبب عجز الجميع عن زيادة الطاقة الإنتاجية للغاز!
* د.محمد العسومي خبير ومستشار اقتصادي
المصدر| الاتحاد – أبوظبي
موضوعات تهمك:
بلومبرغ: أزمة الغاز الأوروبية تضع علاقات روسيا بالجزائر على المحك