روسيا تلعب على الضعف الأوروبي لاستعادة عمقها الاستراتيجي المفقود.
روسيا مستمرة في دعم انفصاليي أوكرانيا وصرب البوسنة وتجري مناورات عسكرية بصربيا وحدود بولندا وتضغط على مالدوفا لتوقيع عقود الغاز معها.
استغلت روسيا أزمة الحدود لإجراء مناورات عسكرية مع بيلاروسيا وتدعمها بتعزيزات عسكرية لترسل بريطانيا 15 ألف جندي لدعم بولندا بمواجهة استفزازات بيلاروسيا.
التراجع الأمريكي في زعامة الناتو والضعف الاجتماعي والاقتصادي للقوى التقليدية الأوروبية وشهية روسيا للتمدد لا يدعم الوضع القائم فالمستقبل القريب سيعيد أوروبا لمربع الصراع العالمي!
* * *
بقلم:
بشكل متسارع وغير متوقع تفاقمت الأزمة بين فرنسا والمملكة المتحدة إلى حد تبادل التهديدات بين البلدين، الأزمة انطلقت من خلاف حول تطبيق اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بمصائد الأسماك!
لعل قرب انتخابات فرنسا الرئاسية والصفعة التي تلقتها باريس بعد اتفاق أوكوس دفعتا بالأزمة نحو التصعيد السريع ولكنها على بساطتها تمثل خروجاً عن السلام الأوروبي خاصة بين حلفاء الحرب العالمية الثانية.
تبع هذه الأزمة أزمة المهاجرين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا تتفاوض حولها الدول الأوروبية سعياً لإيقاف سيل المهاجرين الذي أخذ يخرج عن السيطرة ويسبب أزمات متصورة وحقيقية يقودها اليمين المتطرف الأوروبي، بين 8 آلاف و22 ألف مهاجر معظمهم من أصول شرق أوسطية تم استخدامهم في المواجهة بين بيلاروسيا وأوروبا.
بينما استغلت روسيا الفرصة لتجري مناورات عسكرية مع بيلاروسيا وتدفع بتعزيزات عسكرية لدعمها، لتقوم بريطانيا بإرسال 15 ألف جندي لدعم بولندا في مواجهة الاستفزازات البيلاروسية.
روسيا لم تقف عند هذا الحد، فهي مستمرة في دعمها للانفصاليين في أوكرانيا وبدأت في دعم الصرب الانفصاليين في البوسنة وتقيم تمارين عسكرية في صربيا وعلى حدود بولندا وتضغط على مالدوفا لتوقيع عقود الغاز معها، روسيا باختصار تلعب على الضعف الأوروبي لاستعادة عمقها الإستراتيجي المفقود.
الاستقرار الذي عرفته أوروبا بشرقها وغربها منذ ربيع براغ وسقوط الاتحاد السوفياتي آخذ في التبدد، والخلافات بين القوى الكبرى في القارة العجوز لن تتوقف عند هذا الحد.
حالة الفراغ الذي يشكله التراجع الأمريكي في زعامة الناتو والضعف الاجتماعي والاقتصادي للقوى التقليدية الأوروبية والشهية الروسية للتمدد لا تتفق مع استمرار الوضع القائم، المستقبل القريب سيعيد أوروبا إلى مربع بؤر الصراع العالمية قريباً.
العالم في انحدار مستمر نحو الصراع العالمي الشامل، وهذه التحولات المتسارعة في أوروبا هي دلالة على فقدان نظام ما بعد الحرب الباردة اتزانه في إطار التحول نحو عالم متعدد الأقطاب.
نقاط التماس في هذا التحول ستكون أوروبا الشرقية وبحر الصين الجنوبي بالإضافة إلى بؤر الصراع التقليدية بين أفغانستان شرقاً والساحل الأفريقي غرباً، نسأل الهف أن يحافظ العالم على الحد الأدنى من التفاهم قبل الانزلاق في أتون عاصفة عالمية جديدة.
* د. ماجد محمد انصاري أستاذ الاجتماع السياسي المساعد بجامعة قطر
المصدر| الشرق
موضوعات تهمك: