“جيفارا مات
آخر خبر فِ الراديوهات
و فِ الكنايس
و الجوامع
و فِ الحواري
و الشوارع
و عَ القهاوي و َ البارات
جيفارا مات
جيفارا مات
و اتمد حبل الداردشة و التعليقات
مات المناضل المثال
يا ميت خسارة عَ الرجال “
بعد رحلة عطاء وعن عمر ناهز الرابعة والثمانين رحل شاعر العامية المصري الشهم الجريء الساخر خفيف الظل ابن البلد الأصيل أحمد فؤاد نجم عن عالمنا وذلك صباح الثلاثاء 3-12-2013م واستراح جسده الذي أنهكته الأيام والليالي من جراء السهر والمعاناة والألم كمواطن بسيط وكشاعر مرهف الإحساس كوطني نبيل وثوري جسور بعد سنوات طويلة فى مقاومة الحكام والسلاطين الدكتاتوريين والحكومات الفاسدة قضى كثير منها في المعتقلات وداخل جدران الزنازين في سبيل الدفاع عن قضايا ومشكلات البسطاء من الفقراء والمحرومين جاعلاً من قلمه وموهبته الشعرية موالا ًشعبياً طويلاً وبصمة كبيرة على جبين الوطن العربي والشعر العامي المصري وفى قلوب كل الوطنيين والثوريين الذين يحلمون بوطن خال من الظلم والقهر يسوده الحب والسلام والعدل والمساواة …رحل بالجسد واستكانت روحه بعد نضال يفخر به كل مصري وعربي مخلص وعاشق لتراب بلاده ولد شاعرنا الكبير أحمد فؤاد نجم فى الثالث والعشرين من شهر مايو 1929م في قرية كفر ابونجم بمدينة ابو حماد شرقية وهو ينتمي إلى عائلة نجم المعروفة في مصر لأم فلاحة هي هانم مرسى نجم وأب ضابط شرطة هو محمد عزت نجم وكان ضمن سبعة عشر ابن لم يتبق منهم سوى خمسة والسادس فقدته الأسرة ولم يره، التحق بعد ذلك بكتّأب القرية بعد وفاة والده انتقل إلى بيت خاله حسين بالزقازيق حيث التحق بملجأ أيتام 1936 – والذي قابل فيه عبد الحليم حافظ ليخرج منه عام1945 وعمره 17 عاماً بعد ذلك عاد لقريته للعمل راعي للبهائم ثم عمل نجم في معسكرات الجيش الإنجليزي متنقلا بين مهن كثيرة كواء،لاعب كرة ، بائع،عامل بناء، ترزي..و كان في ذلك الحين قد علم نفسه القراءة والكتابة وبدأت معاناته الطويلة واشترك مع الآلاف في المظاهرات التي اجتاحت مصر سنة 1946 وتشكلت أثناءها اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال. و في الفترة ما بين 51 إلى56 اشتغل شاعرنا عاملا في السكك الحديدية. وبعد معركة السويس قررت الحكومة المصرية أن تستولي على القاعدة البريطانية الموجودة في منطقة القنال وعلى كل ممتلكات الجيش هناك. وكانت ورش وابورات الزقازيق تقوم في ذلك الحين بالدور الأساسي لأن وابورات الإسماعيلية والسويس وبور سعيد ضربت جميعا في العدوان يقول شاعرنا عن هذه الفترة :” وبدأنا عملية نقل المعدات. وشهدت في هذه الفترة أكبر عملية نهب وخطف شهدتها أو سمعت عنها في حياتي كلها.أخذ كبار الضباط والمديرون ينقلون المعدات وقطع الغيار إلى بيوتهم… وفقدت أعصابي وسجلت احتجاجي أكثر من مرة… وفي النهاية نقلت إلى وزارة الشؤون الاجتماعية بعد أن تعلمت درسا كبيرا.أن القضية الوطنية لا تنفصل عن القضية الاجتماعية, كنت مقهورا وأرى القهر من حولي أشكالا ونماذج…كان هؤلاء الكبار منهمكين في نهب الورش, بينما يموت الفقراء كل يوم، دفاعا عن مصر و في وزارة الشؤون الاجتماعية عملت طوافا أوزع البريد على العزب والكفور والقرى وكنت أعيد في هذه المرحلة اكتشاف الواقع بعد أن تعمقت رؤيتي وتجربتي. شعرت حينئذ رغم أنني فلاح وعملت بالفأس لمدة 8 سنوات أن حجم القهر الواقع على الفلاحين هائل وغير محتمل. كنت أجد في الواقع المصري مرادفات حرفية لما تعلمته نظريا. كان التناقض الطبقي بشعا “. في سنة 1959 التي شهدت الصدام الضاري بين السلطة واليسار في مصر انتقل الشاعر من البريد إلى النقل الميكانيكي في العباسية أحد الأحياء القديمة في القاهرة. يقول نجم:” وفي يوم لا يغيب عن ذاكرتي أخذوني مع أربعة آخرين من العمال المتهمين بالتحريض والمشاغبة إلى قسم البوليس وهناك ضربنا بقسوة حتى مات أحد العمال …وبعد أن أعادونا إلى المصنع طلبوا إلينا أن نوقع إقرارا يقول أن العامل الذي مات كان مشاغبا وأنه قتل في مشاجرة مع أحد زملائه..و رفضت أن أوقع ,فضربت.″ وبعد ذلك وجهت إليه تهمة الاختلاس, ووضع في السجن لمدة 33 شهرا. بعدها بسنوات عمل بأحد المعسكرات الإنجليزية وساعد الفدائيين في عملياتهم، بعد إلغاء المعاهدة المصرية الإنجليزية دعت الحركة الوطنية العاملين بالمعسكرات الإنجليزية إلى تركها فاستجاب نجم للدعوة وعينته حكومة الوفد كعامل بورش النقل الميكانيكي وفي تلك الفترة قام بعض المسئولين بسرقة المعدات من الورشة وعندما اعترضهم اتهموه بجريمة تزوير استمارات شراء مما أدى إلى الحكم عليه 3 سنوات بسجن قره ميدان حيث تعرف هناك على أخوه السادس (على محمد عزت نجم) وفي السنة الأخيرة له في السجن اشترك في مسابقة الكتاب الأول التي ينظمها المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون وفاز بالجائزة وبعدها صدر الديوان الأول له من شعر العامية المصرية (صور من الحياة والسجن) وكتبت له المقدمة سهير القلماوى ليشتهر وهو في السجن. بعد خروجه من السجن عُين موظف بمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية الأفريقية وأصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية وأقام في غرفة على سطح أحد البيوت في حي بولاق الدكرور بعد ذلك تعرف على الشيخ امام في حارة خوش قدم (معناها بالتركية قدم الخير) أو حوش آدم بالعامية ليقرر أن يسكن معه ويرتبط به حتى أصبحوا ثنائي معروف وأصبحت الحارة ملتقى المثقفين ….كتب نجم وغنى الشيخ إمام وردد الشعب في الساحات والميادين هذه الأغاني الثورية ورحل الموسيقار الشيخ إمام ليستكمل نجم مشواره في حب الوطن ومقاومة الحكام التي بدأها منذ الاحتلال الإنجليزي وحتى ثورة يونيو 2013 مروراً بثورة يناير2011م وعام حكم الإخوان الأسود والذي قال عنهم نجم في إحدى حواراته “إنهم مجرمون وتنظيم سرى ماسونى قذر” ولم تخلوا منصة من منصات المتظاهرين من إذاعة أغاني أبو النجوم والشيخ إمام ولا تخلو صفحة من الصفحات على شبكة التواصل الاجتماعي ” فيس بوك – تويتر” من قصائد نجم وصوت الشيخ أمام بعد أصبحا ظاهرة شعبية لذا لم يكن من عجب أن خرجت جموع المصريين والعديد من الفنانين والسياسيين والفنانين فى وداع الفاجومى إلى مثواه الأخير لقد عشقه الناس لأنه كان خير من يعبر عنهم بعد أن وضع مصالحهم وهمومهم وهموم الوطن فوق كاهله وقد نعى العالم العربي والغربي ووكالات الأنباء العالمية شاعرنا الراحل الذي كان وسيظل علامة من علامات شعر العامية مقدرين نضاله الثوري وأثره في تشكيل وجدان الشعوب ……رحل الفاجومى ولكن الأفكار لاتموت و ستظل أشعاره باقية طالما بقى الهرم والنيل وهذا الشعب العظيم .
بقلم : نبيل بقطر _ مصر
- من كتاب ” المتجولون فى عقولنا ” الصادر عن منبر التحرير ودار وعد عام 2018