بايدن يغطي ضعفه الشخصي وهزال وضع حزبه باعتماد عنتريات لفظية قد تؤدي بالعالم الى كارثة مدمرة تماماً للحياة.
قادة العالم كلهم، ومعهم قادة وزعماء منطقتنا بالطبع جميعهم “بولسونارو” الدجّال المبتذل، وصفات أخرى لا تقل انحطاطاً.
في روسيا يحوز 1 في المئة من سكانها على 74 بالمئة من الثروات الوطنية، و10 بالمئة منهم يستولون على 89 بالمئة من تلك الثروات.
حلم بوتين بالعظمة ليس وطنياً (إلا قليلاً ربما) لكنه إمبريالي من النوع البائد، ذاك الذي مارسته قبلاً بريطانيا وفرنسا وبعدهما أميركا.
مرّغ هؤلاء الزعماء في الوحل مبادئ ومرجعيات قانونية وقيمية للحداثة والتحضر ليغدو مشهد العالم كله مبتذلا ويصح فيه انه “حارة كل مين إيدو إله”!
“بولسونارو” وجه يلخِّص ويطبع عالم اليوم. رئيس البرازيل الذي قد لا يعرف الكثيرون شكله. لكنه يختزن ما يلزم من صفات تجعله مطابقاً لسمات اللحظة بمعناها التاريخي.
بوتين لا يقل عنتريات عن بايدن وقيل كثير في تحليل شخصيته وأكثر في هزال وضع روسيا الاقتصادي والتي تمتلك السلاح النووي وتلمّح لإمكان استخدامه في حربها البشعة على أوكرانيا.
* * *
لكل زمان وجوهه. وقد لا يكون هؤلاء ملائكة، ولكنهم يمتلكون ما يجعلهم رموزاً، يستحضرون تاريخاً بمجرد ذكر اسمهم او إظهار رسمهم. ديغول وتشرشل مثلاً، وهنا في بلادنا عبد الناصر.. وسواهم طبعاً، ولكن ليس كثيرون.
“بولسونارو” هو الوجه الذي يلخِّص ويطبع عالم اليوم. رئيس البرازيل الذي قد لا يعرف الكثيرون شكله. لكنه يختزن ما يلزم من صفات تجعله مطابقاً لسمات اللحظة (بمعناها التاريخي). آخرها أنه منح نفسه وسام “التميز المناصر للسكان الاصليين”! وهو وسام يفترض أن يكرِّم من يدافع عن هؤلاء ويحسّن من حياتهم.
و”الأصليون” باتوا أقلية قليلة (0.4 من السكان) ولكن اختلاط اعراق البرازيليين هائل ولعله يشمل بشكل مؤكد نصف السكان. والرجل ضاقت بعينه تلك الاقلية القليلة فأراد أن يكرم نفسه باسمها، بينما هو يقوم بعملية إبادة حقيقية لها عبر جز غابات الأمازون التي يقطنها أغلبهم، والسماح لشركات التنقيب عن البترول والمعادن بالحفر في مساحات معيشتهم وتدميرها.. وإلحاق الأوبئة والأمراض بهم، واحتقارهم وقمعهم حين يلزم.
وهذه مشكلة كبرى وهي تخص كل البشرية، وليس فحسب الظلم الواقع على قاطنيها من السكان الأصليين، لأن غابات الأمازون هي رئة الكرة الأرضية. لا بأس، ليس هذا موضوعنا. بل ما لا بد من الاقرار به – ولو مكْرهين – أن قادة العالم كلهم، وقادة و”زعماء” منطقتنا بالطبع (“كلّن يعني كلّن”!! وهي موسعة سعة العالم هنا)، هؤلاء جميعهم بولسونارو الدجّال وصفات أخرى لا تقل انحطاطاً.
جو بايدن يغطي ضعفه الشخصي وهزال وضع حزبه باعتماد عنتريات لفظية قد تؤدي بالعالم الى كارثة مدمرة تماماً للحياة. فلاديمير بوتين لا يقل عنتريات عن نظيره الامريكي، وقد قيل الكثير في تحليل شخصيته، وقيل أكثر في هزال وضع روسيا الاقتصادي، بينما هي تمتلك بالطبع السلاح النووي الذي تلمّح الى إمكان إستخدامه في حربها البشعة على أوكرانيا.
روسيا التي يحوز 1 في المئة من ابنائها على 74 في المئة من الثروات الوطنية، و10 في المئة منهم يستولون على 89 في المئة من تلك الثروات، وهذا يفوق ما هو قائم في أميركا نفسها، بلد التفاوتات الطبقية بامتياز، أو في الصين القادمة من القرون الوسطى ومن إبادة 37 مليون فلاح جوعاً، لتحقيق “القفزة الكبرى” كما روّج لها ماو تسي تونغ.
وأما الارقام الروسية فمنشورة في صحف اقتصادية روسية! وأما الإبادة الصينية في منتصف القرن العشرين، فموثقة من قبل مؤرخين صينيين داخل الصين.
… يا لبؤس أبناء روسيا والاتحاد السوفياتي، إذ تخلصوا من حكم “اشتراكي” مزعوم، خانق وظالم، ليقعوا في براثن تلك الوحوش. واستطرادا، فلا يستقيم المنطق الذي يقول لهم، انه كان من الأفضل الحفاظ على تلك “الاشتراكية” التعسة.
وهو نفسه المنطق الذي يقول بلومٍ للعراقيين والسوريين أن صدام حسين وحافظ الاسد أفضل ممن جاء بعدهما أو حاول المجيء.. فتخيَّر الشعوب بين السيئ والأسوأ، وكأنه أفق قدَرها الوحيد!
وبينما يتعاظم الفقر في روسيا (سكانها حوالي 140 مليون إنسان) ومعه أعداد الفقراء في بلد مساحته 17 مليون كيلومتر مربع، هائل الثروات، يزدهر بالمقابل من يقال لهم الـ”أوليغارك” الروس الذين يشترون ما يخطر على بالهم أينما كان: مباني كثيرة في أفخم مدن العالم، يخوت مذهلة في موانئها، وحتى أهم الاندية الرياضية، متنافسين مع أثرياء الخليج ومتغلبين عليهم!
بل صارت كبرى دور الأزياء في العالم وأعرقها، وكبرى محلات المجوهرات العالمية، تُعدّل في تصاميمها لإرضاء أذواق هؤلاء، نساء ورجال، وقد كتب الكثير عن ذلك وبالاسم. كما يشترون المناصب من كل نوع، ومنها عضوية مجلس اللوردات البريطاني التي “منحت” لابن أحد هؤلاء اللصوص..
وهذه القيم السائدة لدى السادة المتأنقين (بينما هم مرتزقة وفاسدين وتجار سلاح)، تفسر من ناحية أخرى الشهية المفتوحة لبوتين وأصحابه للاستيلاء على ما يمكن الاستيلاء عليه في العالم، والحاجة لتركيز قواعد عسكرية هنا وهناك، والاستعداد لسحق مدن بحيلها لو لزم الأمر، تدليلاً على “القوة” والسيطرة.
حلم بوتين بالعظمة هنا ليس وطنياً (إلا قليلاً ربما) لكنه إمبريالي من النوع البائد، ذاك الذي مورس قبلاً من قبل بريطانيا وفرنسا وبعدهما أمريكا، ثم استقر أو وجد طرقاً أخرى، إمبريالية طبعاً، ولكنها – حين يُمْكنها ذلك، وليس دائماً – تختار أن تكون أقل فجاجة.
أين “بولسونارو” المبتذل في كل ذلك؟ نجده في الكذب البدائي الممارس على نطاق واسع، يلف السادة القادة “المحترمين” الذين نسوا أن أيديهم وأيدي أسلافهم من قبلهم ملطخة بدماء الجزائريين والكينيين وأفارقة آخرين، والفيتناميين والأفغان وآسيويين آخرين، والعراقيين والفلسطينيين واليمنيين حتى اليوم (هل نسينا أحداً؟).
ولا يرتجف لهم جفن، ولا يخجلون، أفراداً وهيئات. ويشمل الكذب البدائي الممجوج الإعلام الورقي والتلفزي في العالم بإجماع مخيف بحد ذاته.
لقد قام هؤلاء السادة وفي أقل من شهر بتمريغ علني في الوحل للمبادئ والمرجعيات القانونية والقيمية والتي يفترض انها خاصيات الحداثة والتحضر، وكنز ثمين. وصار المشهد في العالم كله – وليس في بلادنا المنكوبة وحدها – مبتذلاً ويصح فيه انه “حارة كل مين إيدو إله”!
وصار بازار التفاوض مع مختلف البلدان على التصويت في الهيئات الدولية (ما أهميته يا ترى والحال تلك!؟) سمسرة علنية: صوِّت ضد روسيا فننسى جريمة أو جرائم كذا، أو وبالعكس، أُصوت ضد روسيا على أن تطلقوا يدي في اليمن أو على شعبي هو نفسه، وتكفّوا عن إزعاجي بترهاتكم عن حقوق الانسان.
… ولذلك يصبح البلد متناهي الصغر – لبنان – تفصيلاً لن يذكره أحد.
* نهلة الشهال أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير “السفير العربي”
المصدر: السفير العربي
موضوعات تهمك: