إسرائيل تخشى أن تزود روسيا إيران بمنظومات تسليحية كالطائرات المتقدمة، ومنظومات دفاع جوي مثل “S-400” وتقنيات حرب السايبر.
تحذير من أنه إن لم تحتاط المؤسسة العسكرية الإسرائيلية فقد تحول مسيرات إيرانية إحدى المدن الإسرائيلية في أية حرب قادمة إلى “كييف ثانية”!
تخشى إسرائيل زيادة اعتماد روسيا على إيران مما يمكن إيران من مطالبة روسيا بإحباط تحركات إسرائيل الهادفة إلى تقليص تمركزها في سورية.
تبدي إسرائيل قلقا متزايدا من تداعيات مساعدة إيران لروسيا على تجاوز العقوبات الدولية واتساع مجالات التعاون بالمجالات الاقتصادية والتقنية بين الجانبين.
رغم أن اندفاع إيران للتدخل بأوكرانيا مقابل حذر إسرائيل عزّز مكانة إيران في المواجهة مع إسرائيل، تتوقف المحصلة النهائية للمواجهة على مصير ومآلات حرب أوكرانيا.
* * *
بقلم: د. صالح النعامي
تشهد الساحة الأوكرانية مواجهة غير مباشرة آخذة بالتصاعد بين إسرائيل وإيران، في أعقاب وقوف طهران الصريح بجانب روسيا وإمدادها بالمسيرات في حربها هناك والدعم السياسي والدبلوماسي الذي تقدمه لموسكو.
وتبدي إسرائيل قلقا متزايدا من تداعيات مساعدة إيران لروسيا على تجاوز العقوبات الدولية واتساع مجالات التعاون المشترك في المجالات الاقتصادية والتقنية بين الجانبين، وتتخوف أن يتطور التعاون المتعاظم بين روسيا وإيران إلى تحالف يمثل مقدمة لنشوء محور إستراتيجي دولي أوسع يشمل الصين ودولا أخرى، لا سيما بعدما أبدت طهران رغبتها بالانضمام إلى منظمة “شنغهاي”، التي تضم روسيا والصين و4 من دول آسيا الوسطى.
تخشى إسرائيل أن تفضي النتائج المرضية حتى الآن لاستخدام روسيا المسيرات الإيرانية في حرب أوكرانيا، في ظل الضائقة التي يعاني منها الجيش الروسي، إلى زيادة اعتماد موسكو على طهران، مما يمكن إيران من مطالبة روسيا بدفع مقابل، كمساعدتها على إحباط تحركات إسرائيل الهادفة إلى تقليص تمركزها في المنطقة، وتحديدا في سورية.
وقد صدرت تحذيرات في تل أبيب من إمكانية أن تقدم روسيا على توفير حماية للتمركز العسكري الإيراني في سوريا أو مساعدة طهران على تهريب السلاح إلى حزب لله بوسائل أكثر نجاعة وبشكل يقلص من هامش المناورة الذي تحوزه إسرائيل هناك حاليا.
إلى جانب ذلك، فإن إسرائيل تخشى أن تقدم روسيا على تزويد إيران بمنظومات تسليحية امتنعت حتى الآن عن تزويدها بها، مثل الطائرات المتقدمة، ومنظومات دفاع جوي نوعية مثل “S-400″، والتعاون في مجالات أمنية وتقنية حساسة، مثل السايبر، وهو الفضاء الذي تتبادل فيه طهران وتل أبيب الضربات بوتيرة كبيرة في الأعوام الثلاثة الأخيرة.
إلى جانب ذلك، فإن الموقف الروسي من البرنامج النووي الإيراني في ظل تعاظم التعاون بين موسكو وطهران يمثل إحدى القضايا التي تقض مضاجع صناع القرار في تل أبيب، لا سيما في ظل الخلاف مع الولايات المتحدة بشأن الشروط التي تضمن العودة للاتفاق النووي الأصلي الذي وقع في العام 2015.
ومما يضفي صدقية على بعض المخاوف الإسرائيلية ما كشفته قناة “سكاي نيوز” هذا الأسبوع، من أن روسيا زودت إيران بمنظومات تسليح غربية نوعية جدا غنمتها من الجيش الأوكراني، وتشمل صاروخ بريطاني مضاد للدبابات من طراز NLAW، وصاروخ “جافلين” المضاد للدروع، وصاروخ يطلق من على الكتف من طراز “ستينغر”.
إلى جانب ذلك، فإن إسرائيل تتحسب لإمكانية أن توظف إيران الساحة الأوكرانية لاختبار منظوماتها التسليحية، خاصة المسيرات، مما يساعدها على تطويرها، بحيث تكون أكثر نجاعة وأشد فتكا.
وقد حذر “معهد دراسات الأمن القومي” الإسرائيلي في ورقة صادرة عنه مؤخرا من أنه في حال لم تتخذ المؤسسة العسكرية في تل أبيب الاحتياطات اللازمة فإن المسيرات الإيرانية فقد تحول إحدى المدن الإسرائيلية في أية حرب قادمة إلى “كييف ثانية”.
مما فاقم خطورة تعاظم التعاون الروسي الإيراني، في نظر إسرائيل، إصدار إدارة الرئيس الأميركي جون بايدن وثيقة “إستراتيجية الأمن القومي” الخاصة بها التي اعتبرت الصين التهديد الأول على الأمن القومي الأميركي بوصفها القوة التي تعمل على المس باستقرار النظام العالمي.
ففي مقال نشرته مؤخرا صحيفة “يسرائيل هيوم”، رأى تامير هايمان، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أن سلم الأوليات الذي تمليه إستراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن لا يلزم الولايات المتحدة بالتحرك لمواجهة إيران إلا في حال عمدت إلى إنتاج السلاح النووي، مما يعني منحها ضوءا أخضر لتعزيز تمركزها في المنطقة بشكل يمس بمصالح تل أبيب.
لقد دفعت المخاوف من تعاظم التعاون الإيراني الروسي في أوكرانيا إسرائيل إلى إعادة النظر من موقفها من الحرب الأوكرانية الروسية، حيث إنها باتت تبدي مؤشرات على تحرر حذر من الحياد وتتجه إلى تقديم دعم غير مباشر ومحدود لأوكرانيا.
فبعد أن امتنعت إسرائيل عن إدانة الغزو الروسي في المحافل الدولية، باتت لا تتردد في التنديد بالسلوك الروسي في أوكرانيا، حيث أعلنت عدم اعترافها بضم روسيا مناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا لها.
واتجهت إسرائيل إلى محاولة تقليص رهان روسيا على المنظومات التسليحية الإيرانية، لا سيما المسيرات، من خلال تزويد أوكرانيا بمعلومات استخبارية تساعدها على التصدي لهذه المسيرات، كما كشفت “نيويورك تايمز”.
وتحدثت أنباء أخرى عن سماح وزارة الحرب في تل أبيب لشركة إسرائيلية خاصة بتزويد أوكرانيا بمنظومات لمواجهة المسيرات عبر بولندا.
يهدف الدعم الإسرائيلي غير المباشر لأوكرانيا أيضا إلى استرضاء الدول الغربية التي تحفظت على الحياد الإسرائيلي من الغزو الروسي، وانتقدت مواصلة تل أبيب علاقاتها التجارية مع موسكو تحت ذريعة ضرورة التواصل مع الجاليات اليهودية في الاتحاد الروسي.
فإسرائيل تحاول استغلال التدخل الإيراني في الحرب الروسية الأوكرانية في إقناع الغرب في تبني مواقف أكثر تشددا تجاه طهران، لا سيما في كل ما يتعلق بالموقف من برنامجها النووي وتمركزها في المنطقة.
كما تأمل في أن تسهم العقوبات الغربية على إيران في ظل تحديها حظر توريد السلاح لروسيا في تدهور أوضاعها الاقتصادية بشكل يقلص من دافعيتها لمواصلة تطوير البرنامج النووي والمس بالموارد التي توظفها في بسط نفوذها في أرجاء المنطقة.
لكن الدعم الحذر والمحدود الذي تقدمه إسرائيل لأوكرانيا يشي في الواقع بانعدام يقين القيادة الإسرائيلية إزاء تداعيات هذا السلوك على مصالحها، حيث إن تل أبيب ما زالت تتخوف من رد موسكو. فقد حذرت روسيا بالفعل إسرائيل من أن تزويد أوكرانيا بالسلاح سيفضي إلى “تدمير العلاقات الثنائية”.
وهذا يفسر رفض إسرائيل طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المتكرر تزويد بلاده بمنظومات الدفاع الجوي المتطورة التي بحوزتها. وتعي إسرائيل أن روسيا بإمكانها توظيف منظومات الدفاع الجوي المتطورة التي تحتفظ بها في سوريا في إحباط أية محاولة لسلاح الجو الإسرائيلي لاستهداف التمركز الإيراني هناك أو إرساليات السلاح المتجهة إلى هناك.
وبغض النظر عن دقة المعلومات التي تتحدث عن الدعم الإسرائيلي المحدود لأوكرانيا، فإن من المؤكد أنه لم يكن لهذا الدعم تأثير كبير على مسار المواجهة الروسية الأوكرانية، وتحديدا على صعيد فاعلية المسيرات الإيرانية فيها.
ولا يعود التردد الإسرائيلي في تزويد أوكرانيا بمنظومات سلاح متقدمة فقط إلى مخاوفها من ردة الفعل الروسي المباشر، بل إنها تخشى أيضا أن تقع هذه المنظومات في أيدي الروس، الذين يمكن أن ينقلوها للإيرانيين مما قد يساعدهم على الاستفادة منها في بناء منظومات مماثلة أو بلورة حلول تكنولوجية لمواجهتها.
رغم أن بنيامين نتنياهو الذي سيعود لتولي رئاسة الوزراء في إسرائيل قد صرح مؤخرا بأنه يدرس تزويد أوكرانيا بالسلاح فإن سلوكه خلال فترة حكمه الطويلة يدل على أنه يتبنى سياسات حذرة على الصعيد الخارجي، مما قد يدفعه إلى التريث كثيرا قبل اتخاذ قرار من هذا القبيل.
وقد يحاول نتنياهو، الذي طالما تباهى بنجاحه في تدشين شبكة علاقات شخصية متينة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إقناع الأخير بالحفاظ على قواعد التنسيق المشترك في سوريا، التي ما زال يعمل بها حتى الآن.
في الوقت ذاته، فإن إسرائيل تبدي حذرا إزاء التداعيات الجيوبوليتيكية للصدام مع روسيا في أعقاب تقاربها الكبير مع إيران. فهذا الصدام سيفضي إلى تعزيز التعاون بين موسكو وطهران في ظل ضعف حضور وإسهام دول المنطقة التي ترتبط إسرائيل بها بعلاقات سلام وتطبيع أو علاقات سرية في الساحة الإقليمية، مما يزيد من حجم الأعباء على كاهل تل أبيب.
وسيدفع هذا الواقع إسرائيل إلى محاولة الحفاظ على علاقاتها مع تركيا التي تمكنت من توظيف الحرب الروسية الأوكرانية في تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية. وتعي إسرائيل أن تدهور العلاقة مجددا مع تركيا سيزيد من كلفة مواجهة إيران وتبعات تدهور العلاقة مع روسيا.
إلى جانب ذلك، فإن إسرائيل تعي طابع الرسائل المباشرة التي ترسلها لها روسيا من خلال استقبال وفود تمثل حركة حماس، حيث تخشى أن يفضي الصدام مع موسكو إلى محاولة المس بمصالح تل أبيب عبر تبني أنماط تدخل جديدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
رغم أن اندفاع إيران للتدخل في أوكرانيا مقابل الحذر الذي تبديه إسرائيل حسن حتى الآن مكانة إيران في المواجهة مع إسرائيل، فالمحصلة النهائية لهذه المواجهة تتوقف بشكل أساس على مصير ومآلات حرب أوكرانيا.
*د. صالح النعامي باحث في الشأن الإسرائيلي
المصدر: الجزيرة نت – الدوحة
موضوعات تهمك: