آفاق التصعيد التركي السوري

الساعة 258 أكتوبر 2012آخر تحديث :
khorshid delli 476

khorshid delli 476بقلم: خورشيد دلي
تعيش الحدود التركية السورية واحدة من أصعب لحظاتها، بعد القصف التركي لمواقع عسكرية سورية في منطقة تل أبيض الحدودية، رداً على مقتل خمسة أتراك بقذيفة للجيش السوري أصابت منزلا في منطقة أغجا كالي التركية.

القصف التركي كان أشبه برسالة سياسية من كونه عملا عسكريا، وهو جاء بعد تكرار سقوط قذائف سورية على الجانب التركي وإسقاط طائرة تركية حربية في يونيو/حزيران الماضي.

وجاء تفويض البرلمان التركي للجيش بشن عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية إذا اقتضى الأمر بمثابة الانتقال إلى مرحلة الحرب المباشرة، بعد أن انتهجت تركيا خلال مراحل الأزمة السورية أسلوب الحرب الناعمة، من خلال دعم المعارضة السورية المسلحة والسياسية، وحشد المواقف الإقليمية والدولية لإسقاط النظام السوري.

الرسالة التركية:
الرسالة التركية الأولى من قصف الموقع السوري هي أن أنقرة لم تعد تتحمل الخروقات السورية المتتالية لحدودها، حيث باتت حكومة حزب العدالة والتنمية تشعر بالحرج والإهانة، خاصة بعد أن رفع القادة الأتراك من سقف خطابهم تجاه النظام السوري، وطالبوا مرارا بإسقاطه، بل وصل الأمر إلى حد التلويح بالخيار العسكري وإقامة منطقة أمنية عازلة داخل الأراضي السورية، فيما كانت سياسة تركيا تتلقى الضربة تلو الأخرى عبر الحدود.

وعليه فإن القصف التركي كان بمثابة رسالة حاسمة مفادها أن أنقرة لن تسكت بعد اليوم على أي خرق جديد من الجانب السوري، وأنها سترد على الفور حتى لو أدى ذلك إلى خلط الأوراق الإقليمية في المنطقة، أو حتى بقي موقف حلفائها في الحلف الأطلسي والغرب عموما في خانة التخاذل تجاه الأزمة السورية، رغم وضوح مخاطرها على دول الجوار الجغرافي ولا سيما تركيا التي باتت تشعر أن الأزمة السورية تشكل خطرا على أمنها القومي، في ظل تطور العامل الكردي داخل تركيا وعلى حدودها الجنوبية داخل سورية، وكذلك لاستفادة المعارضة التركية من تداعيات الأزمة السورية.

وعليه يمكن القول إن القصف التركي لا يتعلق بالرد على سقوط قذيفة سورية داخل الأراضي التركية، بقدر ما يتعلق بسياسة أنقرة تجاه النظام السوري.

فالمطلوب حسب الموقف التركي من الآن فصاعدا هو أفعال على أرض الواقع، خاصة بعد الضوء الأخضر الذي حصل الجيش التركي عليه من البرلمان.

وعليه فإن سيناريو الاشتباك أو الصدام المباشر بين الجانبين وتحوله إلى حرب بات واردا بقوة، وهو سيناريو يقوم على حصول اشتباك مباشر بين الجيشين التركي والسوري في المنطقة الحدودية، فيقوم الجيش التركي الذي حشد قوات وأسلحة في المنطقة الحدودية باستدعاء الحلف الأطلسي للتدخل وفقا لميثاق الحلف الذي يقضي بدعم أي عضو في حال طلبه المساندة.

وقد كان الموقف الأخير للأطلسي مؤيدا للقصف التركي المحدود، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل باتت الحرب على الأبواب؟

يرى قسم من المحللين السياسيين الأتراك أن خطوة القصف التركي كانت رمزية، وهي تدخل في إطار إيصال رسالة حاسمة للنظام السوري، وكنوع من التعويض عن تدهور مصداقية سياسة حكومة حزب العدالة والتنمية تجاه الأزمة السورية.

بمعنى آخر، إن هذه الخطوة لا تدخل في إطار الاستعداد لشن الحرب على النظام السوري، وإنما في إطار تداعيات الأزمة على سياسة حكومة أردوغان.

وهؤلاء يرون أن قرار الحرب هو في الأساس قرار أميركي وليس تركيًّا، خاصة أن أنقرة تدرك أن أي حرب تركية سورية قد تفتح أبواب المنطقة أمام حرب إقليمية في ظل وقوف إيران الصارم إلى جانب النظام السوري، وقدرة الجانبين على إشعال الداخل التركي وجعل تركيا الخاسر الأكبر في مثل هذه المواجهة.

عكس هذه الفئة، يرى قسم آخر أن القصف العسكري التركي داخل الأراضي السورية للمرة الأولى يحمل معه سيناريو المواجهة العسكرية، وأن هذا الخيار بات يشق طريقه على أرض الواقع بعد تفويض البرلمان والدعم الأطلسي للموقف التركي، وأن جميع تحركات تركيا على الحدود هي في إطار الاستعداد لنقل المواجهة إلى حيز التنفيذ.

حيث يقول أردوغان إن قواعد اللعبة تغيرت، ولطالما أن سياسة تركيا تجاه الأزمة السورية تنطلق من حقيقة أنه لا تراجع عن خيار إسقاط النظام السوري بعد أن بلغت العلاقات بينهما مرحلة القطيعة واللاعودة، وعليه فإن القصف التركي جاء في إطار هذه المعطيات الجديدة والتي تحمل معها سيناريو المواجهة والحرب.

اعتبارات تركية:
في الواقع، عند الحديث عن حرب تركية سورية يقفز إلى سدة المشهد السياسي التركي جملة من الاعتبارات والعوامل، لعل أهمها:

1- أن تركيا تخشى من أن يؤثر اندلاع حرب نظامية بين البلدين على مسار الأزمة السورية والمطالبة بإسقاط النظام من الداخل، خاصة بعد أن بلغت المواجهة بين النظام والجيش الحر وباقي المجموعات المسلحة فضلا عن المجلس الوطني السوري؛ مرحلة متقدمة.

2- أن أي اجتياح تركي للأراضي السورية سيحول تركيا إلى دولة احتلال لأرض دولة عربية وربما يذكر كثيرين بعودة الدولة العثمانية، وهو ما سيؤثر سلبا على صورة تركيا في العالم العربي لدى قطاعات سياسية وشعبية واسعة، فضلا عن وجود معارضة شعبية تركية رافضة للحرب ضد سوريا.

3- أن أي حرب تركية قد تدفع بالنظام السوري إلى دعم حزب العمال الكردستاني بأسلحة نوعية، ولا سيما الصواريخ المتطورة والمضادة للطائرات، وهو ما قد يفجر الداخل التركي ويجعل منه ساحة معارك كبيرة في ظل القدرات اللوجستية لحزب العمال وقدرته على التحرك والانتشار في المناطق الحدودية مع كل من سوريا والعراق وإيران وأرمينيا.

4- ثمة قناعة لدى الحكومة التركية بأن النظام السوري ينشد من تصعيده على الحدود مع تركيا تحويل مسار الأزمة السورية من أزمة داخلية إلى أزمة خارجية بامتياز، بهدف تصدير أزمته الداخلية.

5- أن خيار الحرب من قبل تركيا لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار عامل حلفاء سورية، أي إيران وروسيا والعراق وحزب الله، فتركيا تدرك أن هذه الأطراف لن تقف مكتوفة الأيدي ولا سيما إيران التي تقول إن أمن النظام السوري من أمنها، وروسيا التي ترفض أي إجراء عسكري أو قرار دولي بهذا الخصوص.

6- أن تركيا تدرك أن أي حرب ضد النظام السوري غير ممكنة دون قرار أميركي يجعل من جيوش الحلف الأطلسي الأداة الأساسية لهذه الحرب، ولا سيما أن سورية دولة تمتلك قدرات عسكرية متطورة قوية، حيث الصواريخ القادرة على الوصول إلى العمق التركي إذا ما نشبت الحرب بين الجانبين، وبالتالي فإن أي حرب منفردة ستكون بمثابة مغامرة قد تجلب تداعيات كارثية على الداخل التركي، في وقت تنتهج فيه تركيا سياسة الحرب الذكية وليست المواجهة المباشرة.

مسار الحرب:
في ثنايا القصف التركي لمنطقة تل أبيض السورية وتفويض البرلمان الذي حمل صيغة “إذا اقتضت الضرورة”، والحديث عن أن سياسة تركيا هي في إطار الدفاع والردع وليست المواجهة والحرب، ما يشبه النية بعدم الدخول في حرب نظامية خاصة أن الاعتبارات السابقة أعلاها هي اعتبارات حقيقية لا بد من أخذها محمل الجد تركيا.

لكن ما سبق لا يعني التقليل من خيار الحرب والمواجهة بين الجانبين بعد أن بلغ التوتر على الحدود بينهما نقطة الذروة، ودخل كل طرف في حرب حقيقية ضد الآخر على أرض الواقع، والقصف الناري المتبادل سواء بطريق الخطأ أو عن سابق إصرار وتصميم، سببه وصول العلاقة بينهما إلى مرحلة الانفجار.

فتركيا التي احتضنت المجلس الوطني والجيش الحر تحولت أراضيها إلى ممر عملي لهذا الجيش وأسلحته بهدف واحد هو إسقاط النظام السوري، فيما لا يخفى على أحد أن الأخير -والذي بات يرى في النظام التركي العدو الأول له- يسعى إلى الاستفادة من ورقة حزب العمال الكردستاني في الحرب المستعرة بين الجانبين.

كما يسعى إلى الاستفادة من المعارضة التركية الرافضة لسياسة أردوغان، حيث نظمت هذه المعارضة تظاهرة ضد الحرب خلال عقد البرلمان جلسته بشأن تفويض الجيش القيام بعمليات عسكرية خلال عام إذا اقتضى الأمر. وفي الحديث عن خيار الحرب التركية، ثمة أمران يشكلان حيثية الموقف التركي:

الأول: أن حكومة أردوغان بنت سياستها تجاه سوريا والمنطقة عموما انطلاقا من إسقاط النظام السوري، وعليه بعيدا عن القصف الناري على جانبي الحدود، فإن جميع التحركات العسكرية التركية -بما في ذلك دعم الجيش الحر- تصب نحو تحقيق هذا الهدف، فبقاء النظام السوري سيؤدي إلى إفلاس سياسة أردوغان التي قطعت جميع مراكبها مع هذا النظام.

الثاني: أن أردوغان في قرار نفسه يعتقد أن الموقف الأميركي بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لن يبقى على حاله، فأوباما المنشغل بمعركة السباق إلى البيت الأبيض سيقول كلمة الحسم إن فاز بولاية ثانية، وكذلك الأمر بالنسبة لمنافسه الجمهوري مت رومني، وعليه بالنسبة لأردوغان فإن الوقت المتبقي إلى حين انتهاء الانتخابات الأميركية هو وقت الإعداد لسيناريو الحرب، وتهيئة الداخل وحشد المواقف الإقليمية والدولية لطالما يرى أن لا مستقبل لسياسته في ظل بقاء النظام السوري الذي يحرص على بقاء أصبعه على الزناد، وفي كل الاتجاهات.

بين سعي أردوغان إلى إسقاط النظام السوري واستعداد الأخير للمواجهة، تبدو المواجهة بينهما حتمية، ما لم تحصل تطورات دراماتيكية في الداخل السوري، أو تتفق الدول الكبرى على مخرج سياسي للأزمة السورية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة