هل نربي أبنائنا على الرياء؟
هل نربي أبنائنا على الرياء؟ سؤال جديد لـ د. محمد كمال الشريف إستشاري الطب النفسي، و المفكر الإسلامي حول تربية الأبناء والقيمة التي يجب غرسها فيهم ليقوموا ذاتهم بذاتهم دون الحاجة لتدخل من المجتمع..
أما الاستعانة بالخوف من كلام الناس لمنع المؤمن من معصية الله، والاستعانة بالرغبة في مديح الناس لدفع المؤمن إلى فعل الطاعات، فذلك هو الرياء بعينه، وهو الشرك الخفي، الذي حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى عن المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} {النساء:142{.
وقال عنهم أيضاً: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ{4} الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{5} الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ{6} وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} {الماعون:4-7}.
فالرياء الخالص هو خلق المنافقين، وهو خلق الكافرين أيضاً، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً} }النساء:38{.
أما المؤمن فقد يقع في الرياء، وذلك حين يتوجه بالطاعات إلى الناس يتقرب بها إليهم، يبتغي بها رضاءهم، وثناءهم، وإعجابهم به، وقد تهديه فطنته إلى أن يرمي عصفورين بحجر واحد، فينوي بعمله عبادة الله ورئاء الناس معاً، فيقع في الشرك الخفي، إذ جعل الناس شركاء لله في عمله الذي عمله.
والعمل الذي ينوي به المؤمن عبادة الله وثناء الناس، عمل لا يقبله الله تعالى، ويمكن تشبيه ذلك بهدية قيمة، يقدمها رجل إلى الملك، لكنه يقول للملك: هذه الهدية لك، ولعبدك أو خادمك، هي بينكما مشتركة، ولله المثل الأعلى، فالملك المخلوق، يترفع عن قبول تلك الهدية، مهما كانت ثمينة، ويقول لمن أهداها إليه: أعطها للعبد، أو للخادم، فأنا لا أقبل أن يشاركني عبدي، أو خادمي في شيء.
أوَ يقبل الرب العظيم العلي المتعالي أن يشاركه العبيد في شيء؟!
إن الذي يجعل الملك شريكاً مع خادمه في هدية، عليه ألا يتوقع من الملك أن يثيبه عليها، وكذلك الذي يشرك الناس مع الله في أعماله، عليه ألا يتوقع أن يثيبه الله عليها.
روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه غيري، تركتُهُ وشركُهُ).
وروى ابن ماجه في سننه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل لي عملاً أشرك فيه غيري، فأنا منه بريء، وهو للذي أشرك) (في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات).
كما روى ابن ماجه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ليوم لا ريب فيه، نادى منادٍ: من كان أشرك في عمل عمله لله، فليطلب ثوابه من عند غير الله، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أتخوف على أمتي، الإشراك بالله، أما إني لست أقول يعبدون شمساً، ولا قمراً، ولا وثناً، ولكن أعمالاً لغير الله، وشهوةً خفيةً) (في الزوائد: في إسناده: عامر بن عبد الله لم أر من تكلم فيه، وباقي رجال الإسناد ثقات).
وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال: (ألا أخبركم بما هو أخوفُ عليكم عندي من المسيح الدجال؟) قال أبو سعيد: قلنا: بلى. فقال: (الشركُ الخفيُّ، أن يقوم الرجلُ يصلي، فيزين صلاته لما يرى من نظر رجلٍ) (في الزوائد إسناده حسن).
وفي الحديث المتفق عليه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سَمَّعَ سَمَّعَ الله به، ومن يرائي يرائي الله به).
قال النووي – رحمه الله – مفسّراً: (سمّع) بتشديد الميم، ومعناه: أظهر عمله للناس رياءً. (سَمَّعَ الله به) أي: فضحه يوم القيامة.. ومعنى (من راءى) أي: أظهر للناس العمل الصالح، ليعظم عندهم. (راءى الله به) أي أظهر سريرته على رؤوس الخلائق. (انظر رياض الصالحين الحديث 1619).
فقوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} }التوبة: 10{ لا يعني الرياء أبداً، إنما نستطيع أن نفهمه جيداً في ضوء الأحاديث الصحيحة التالية:
روى مسلم عن أبي ذر – رضي الله عنه- قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيتَ الرجلَ يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: (تلك عاجل بشرى المؤمن).
وروى ابن ماجه في سننه في كتاب الزهد: عن أبي ذر أيضاً أنه – رضي الله عنه- سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، يقول أبو ذر: قلت له الرجل يعمل العمل لله فيحبّه الناس عليه؟ قال: (ذلك عاجل بشرى المؤمن).
وروى ابن ماجه في سننه في كتاب الزهد: عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- أنه قال: قال رجلٌ لرسول الله صلى الله علليه وسلم: كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأتُ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعت جيرانك يقولون أنك قد أحسنتَ فقد أحسنت، وإن سمعتهم يقولون قد أسأتَ فقد أسأتَ) (في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات).
وروى ابن ماجه أيضاً في كتاب الزهد: عن ابن هريرة – رضي الله عنه- أنه قال: قال رجل: يا رسول الله! إنّي أعملُ العمل فَيُطَّلَع عليه فيعجبني؟ قال: (لك أجرانِ: أجر السرِّ وأجر العلانية).
وروى أيضاً في كتاب الزهد: عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أهل الجنة من ملأ اللهُ أذنيه من ثناء الناس خيراً وهو يسمع، وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شراً وهو يسمع) (في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات).
إذا الرياء هو ما دخلت في نية فاعله عندما فعله الرغبة في ثناء الناس عليه، والأعمال بالنيات، أما ثناء الناس الذي يأتي بعد أن يقع العمل المقصود به وجه الله تعالى وحده، فإنه لا يؤثر في صحة العمل وقبول الله له؛ لأن ثناء الناس لم يدخل في النية، إنما ثناؤهم هو (عاجل بشرى المؤمن) كما قال صلى الله عليه وسلم.
لديك كنز من المعلومات في قسم بنون، ويرتبط باساليب فهم و تربية الاطفال و المراهقين، اذا كان لديك ابن او ابنه في سن الطفولة أو المراهقة او قريب من سن المراهقة، فمن المهم ان تتطلع على هذا القسم و به الكثير من المقالات المكتوبة بقلم المفكر الاسلامي واستشاري الامراض النفسية الدكتور محمد كمال شريف الرابط هنا.