الإسلام ثورة وعدوها التقاليد
يواصل د. مجمد كمال الشريف نقده للتقاليد من خلال مقاله الإسلام ثورة وعدوها التقاليد، والذي يتحدث به عن شرائع نبوية حدثت في عهد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- شرع بها مساعي الدين الإسلامي لبناء مجتمع متحرر من تلك القيود..
أما التقاليد فضررها أكبر من نفعها، وهي آصار، وأغلال، وأحمال، وأوزار، نحن في غنىً عن حملها، طالما أنها لا تأتينا بحسنة، ولا تمحو عنا سيئة.
لقد اختلط الأمر على الكثيرين منا، بحيث لم يميزوا بين التقاليد والدين، وبين العيب والحرام، وظنوا أنهما شيء واحد أبداً.
فعلينا أن نختار أحسنهما وهو دين الله، فنتوجّه إلى الله مخلصين له الدين، موحدين له حقّ التوحيد، بحيث لا نراقب في أفعالنا غيره، سواء سخط الناس أم رضوا.
اقرأ/ي أيضا: هل نربي أبنائنا على الرياء؟
وقد روى الترمذي عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: (من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وَكَلَهُ الله إلى الناس).
أما التزام القوانين التي يفرضها ولي الأمر، ولا يأمر فيها بمعصية، هي حرام بيّن لا يختلف الناس في حرمته، فإن طاعتها من طاعة الله، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} }النساء:59{
وإنني كثيراً ما تفكرت في الفائدة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفيدها من اعتزاله الناس في مكان مرتفع في غار حراء قبل بعثته، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فيلسوفاً يخلو بنفسه مع كتبه وأفكاره، يصوغها، ويراجعها، إذاً كان يكفيه اعتزال الناس في دار هادئة في مكة، ولم تأت عزلته بفكرة جديدة، إنما هو الوحي جاءه ذات مرة على غير انتظار.
ولعل الله سبحانه وتعالى ألهمه أن يتحنث في الغار وحده قبل الوحي، كي يخفف من ضغط المجتمع على نفسه، حيث يمضي الوقت الطويل وحيداً، وحيث يقبع المجتمع كله هنالك . . تحت . . بعيداً . . حيث يبدو كل شيء صغيراً.
اقرأ/ي أيضا: لماذا ننجب أولادنا؟
يقول أحد علماء الاجتماع معبراً عن مدى ضغط المجتمع، (إن الناس يجثمون على صدورنا)، وما كان ضغط المجتمع على الفرد قوياً مثلما كان في المجتمع الجاهلي العربي، حيث ولد النبي صلى الله عليه وسلم وعاش.
لقد كان العيب والعار ديناً يدين به الناس صراحة، ويعيشون يراقب الواحد منهم الناس في أفعاله وأقواله طيلة حياته، ومحمد صلى الله عليه وسلم الذي أدّبه ربه فأحسن تأديبه، بشر، ولربما احتاج إلى فترة بعيداً عن الناس كي يستشعر فرديته، واستقلاله عن المجتمع بشكل واضح، وليألف ذلك الشعور الذي سيكون ضرورياً جداُ له حين يؤمر بتوحيد الله، ثم حين يؤمر بتبليغ الدعوة إلى الناس، إذ يومها سيسير عكس التيار، متمرداً على كل قيم الجاهلية وتقاليدها، إلا ما يقرّه الله منها من مكارم الأخلاق، وما أصعب السير عكس التيار، على من نشأ على الخوف من كلام الناس وتعييبهم، وتعييرهم!
اقرأ/ي أيضا: تربية الأبناء على العُرف
لقد استمر أثرٌ طفيف من الخشية من كلام الناس في نفس النبي صلى الله عليه وسلم، ظهر في حادثة شهيرة بعد بعثته بسنين طويلة، وبعدما هاجر إلى المدينة، وصارت للإسلام دولة هو رئيسها.
وخلاصة تلك الحادثة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد تبنى زيداً بن حارثة، وكان عبداً مملوكاً عنده، ولما التقى بأبيه، فضّل زيد النبي صلى الله على أهله، فتبّناه النبي صلى الله عليه وسلم وصار يدعى زيداً بن محمد، وكان زيد حِبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: حبيبه، وذات يوم خطب له زينب بنت جحش، وكانت ذات حسب ومكانة، فترفعت عن زيد، فأمرها النبي صلى عليه وسلم أن تتزوجه فأطاعت، وتزوجها زيد، ومرت الأيام، ولعل زواجهما دام سنة كاملة، وأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن زيداً سوف يطلِّق زينب، وأن الله سوف يزوّجه زينب.
وجاءه زيد يشتكي من زينب، فنصحه الرسول أن يمسك عليه زوجه، فكانت منه نصيحة لحِبِّه، ولكن الدافع إلى تلك النصيحة ربما كان الخشية من أن يطلقها زيد، فتحين ساعة زواجه صلى الله عليه وسلم منها، فيقول الناس: محمد تزوج زوجة ابنه! وكان العرب لا يفرّقون بين الابن الحقيقي والابن المتبنى، أي: (الدَّعِيّ)، فكان في نصيحته لزيد ساعياً إلى تأجيل وقوع ما يخشاه.
ولكن الأمور ساءت بين زيد وزينب، وطلّقها زيد أخيراً، فنزلت كلمات الله تنبّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن لا يخشى الناس، وألا يخشى كلامهم، وألا يتحرج مما فرض الله له وأحلّ، وذكرت الجميع بأن زيداً لم يكن ابن محمد صلى الله عليه وسلم، إنما كان دَعيّه، وكان يُدعى زيداً بن حارثة بعد أن أبطل الله التبني، وأمر أن يدعي كل مولود لأبيه.
اقرأ/ي أيضا: مشكلة التقاليد مع الدين الإسلامي
وزوّج الله محمداً صلى الله عليه وسلم زينب بكلمته، فدخل عليها دون عقد أو مهر.
قال تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً {37} مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً {38} الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} }الأحزاب:39{
لقد كان زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب زوجة متبناه سابقاً، مثالاً على الصراع المتأصل ما بين الإسلام والتقاليد، وكان مناسبة ليلقّن الله المؤمنين جميعهم درساً من دروس ذلك الصراع؛ ليرفع الحرج، ويحررهم من الخشية من الناس؛ ليكونوا أحراراً غير متحرجين في كل ما أحلّ الله لهم، فلا يخشون أحداً إلا الله، وكفى بالله حسيباً.
اقرأ/ي أيضا: كيف جعلنا العيب أكبر من الحرام عند أبناءنا؟
لديك كنز من المعلومات في قسم بنون، ويرتبط باساليب فهم و تربية الاطفال و المراهقين، اذا كان لديك ابن او ابنه في سن الطفولة أو المراهقة او قريب من سن المراهقة، فمن المهم ان تتطلع على هذا القسم و به الكثير من المقالات المكتوبة بقلم المفكر الاسلامي واستشاري الامراض النفسية الدكتور محمد كمال شريف الرابط هنا.